كيف نحسن التفكير ؟؟

كيف نحسن التفكير ؟؟

لقد أصبح من وظيفة التربية أن تُعنى بتعليم الناس كيف يفكرون، وأن تحذرهم من مزالق التفكير، وتدرِّبهم على أساليبه السديدة، حتى يستطيعوا أن يشقوا طريقهم في الحياة بنجاح، ويدعموا بناء الحضارة، وحتى لا يصيروا عبيداً للغير في تفكيرهم. 

وقد يتساءل الناس: هل يحتاج الإنسان أن يتعلم كيف يفكر؟ أو ليس الإنسان مفكِّراً بطبيعته؟ 
والجواب على ذلك أن الإنسان في حاجة إلى تعلّم طرق التفكير، والتدرّب على مهاراته، كحاجته لأن يتعلم كيف يتكلم، وكيف يعامل الناس. 

وتعليم التفكير الصحيح يبنى على بعض القواعد الأساسية، لا بد من غرسها في النفوس، وكلما كان تمثلها في سن أبكر كانت النتيجة أحسن. 

فالعاقل يعلم، وينبغي أن يعِّلم من هو في رعايته، إن المرء لا بد أن يخطئ فهو لا يصيب دائماً، لذلك عليه ألا يتعصب لأفكاره، فإذا واجهه إنسان بما يخالف رأيه فعليه أن يحسن الاستماع إليه، بقصد الوصول إلى الصواب 
لا بقصد نقض كلامه. 

وفي تراثنا الإسلامي أمثلة لو تمثلها النشء لآتت أحسن الأكل، منها:- 

قول التابعي الجليل الثقة محمد بن عجلان رحمه الله :"إذا أخطأ العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله". 

وقول الإمام العظيم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: « ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ»، وقوله: «وَدِدت أن الناس لو تعلَّموا هذه الكتب، ولن ينسبوها إليّ» وهذه قمة في الإخلاص والتجرد لله قل أن تسامى. 

وما رواه الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما: «خذ الحكمة، ولا يضرك من أي وعاءٍ خرجت» 
فهذه الأقوال وأمثالها، لو (برمجت) عليها عقول الناشئة لكان لها أحسن الأثر في تسديد التفكير وترشيده. 

ويمكن للمربي -أو المعلِّم- أن يستفيد في تعليم التفكير من الطرائق التالية:- 

1 - المقارنة: وتكون بإبراز أوجه الاتفاق والافتراق أو العلاقة بين شيئين، أو فكرتين، أو عمليتين، أو شخصيتين، أو كتابين، .. إلخ. فقد تكون المقارنة بين المتنبي والمعري في شعر الحكمة، أو بين شوقي وحافظ في الرثاء، وقد تكون -مثلاً- بين الحربين العالميتين الأولى والثانية من حيث العدد، والعتاد، والاستراتيجيات القتالية، والنتائج.. أو بين مجموعتنا الشمسية ومجموعات شمسية أخرى. 


2 - التلخيص: والمراد به تلخيص كتاب، أو مقال، أو قصة، أو محاضرة.. واختصار ذلك إلى ثلث الحجم الأصلي أو ربعه مثلاً. 
وتتطلب عملية التلخيص فهماً دقيقاً للمادة، وقدرة على إعادة عرضها، بحيث تسلم أهدافها الرئيسة وأفكارها من الحذف أو التشويه. والتلخيص مهارة يتطلب إتقانها تدريباً مستمراً بإشراف معلم قدير. 


3 - الملاحظة : تعد الملاحظة أساس المنهجية العلمية، وهي الخطوة الأولى نحو إدراك ماهية الأشياء، أو الأحداث، أو العلاقات، وهي وسيلة مهمة من وسائل دراسة الظواهر الطبيعية، والاجتماعية، والنفسية، وملكة الملاحظة قابلة للتنمية عن طريق التدريب 
وهناك كتب وبرامج باللغات الأجنبية تضم العديد من هذه التدريبات، والملاحظات أنواع منها: السمعي، والبصري، والذهني، ومن أمثلتها: أن يطلب المدرِّب من طلبته مراقبة برنامج تلفازي مدته نصف ساعة حول تلوث البحار والمحيطات بالنفايات الصناعية والنووية، ثم يدونون مالاحظوه. 



4 - التصنيف: يرتبط التصنيف بالمقارنة، ويقوم على أسس ومعايير محددة، ويستخدمه الفرد مستعيناً بحصيلته المعرفية، وخبراته المكتسبة، ويبدأ بخطوات الجمع، والمقارنة، وتحديد جوانب الوفق والفرق بين الأشياء التي هي موضوع التصنيف، ولا بد من ملاحظة أساس التصنيف أو معياره في تلك العملية من بدايتها إلى نهايتها. 



5 - التفسير: يستخدم الفرد حصيلته المعرفية في تفسير الأشياء والظواهر، والأحداث.. ويستفيد في هذا من الملاحظة التي تمكِّنه من جمع البيانات والمعلومات حول ما يريد تفسيره 
وفي ضوء ذلك قد يقوم بصياغة (فرضية) تعبر عن العلاقة أو العلاقات القائمة بين هذه المعلومات والبيانات، وقد يلجأ إلى المقارنة لتجلية أوجه الشبه أو الاختلاف بين هذه العلاقات، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد نطلب أو يطلب منا تفسير ظاهرة ولادة النجوم وموتها، أو ظاهرة تشكل الأجسام المضادة في جسم الإنسان، أو تعليل مشي الإنسان على سطح القمر بما يشبه الطيران، والتثاقل في المشي على سطح الأرض، أو تعليل ظاهرة العنف عند بعض الجماعات وما أشبه ذلك. 

6 - النقد: والمقصود هنا النقد البنَّاء الذي يظهر مواطن القوة والضعف في العمل، أو الفكرة التي هي معروضة للنقد والمناقشة . 
والنقد بهذه المنزلة مهارة مهمة من مهارات التفكير وهو ذو جدوى كبيرة في الوصول إلى الصواب، أو تطوير فكرة أو مشروع ما، لأن الناظر الواحد قد تخفى عليه بعض الزوايا، أو يكون متأثراً ببعض العوامل النفسية التي تدفعه للتحيّز-دون أن يشعر- مع الفكرة أو ضدها. 


7 - البحث عن افتراضات: يحاول الفرد صياغة فرضيات معينة بشأن بيانات، أو معلومات، أو أفكار، أو وجهات نظر، أو دراسات في مجال ما، وقد يكون الافتراض صحيحاً أو خطأ، والحكم عليه يتم بموجب أدلة أو معلومات تثبته أو تنفيه 
مثلاِ: إذا وصلتنا إشارات من الفضاء الخارجي، فقد نفترض أنها صادرة عن كائنات حية تعيش هناك، ولكننا لا نستطيع قبول هذا الافتراض مالم تثبته الأدلة، وإذا تأخر رب الأسرة عن موعد عودته بعد الظهر فقد تفترض الزوجة أن أحد أصدقائه قد دعاه إلى الغداء، ولا هاتف عنده ليخبرها بذلك، وقد تفترض أنه أصيب بحادث، ولكنها لا تستطيع أن تقطع بشيء ما لم يقم لديها الدليل. 


8 - التخيل: تعد كتابات وقصص الخيال العلمي من أوضح الأمثلة على أهميّة التخيل، حيث يؤدي الخيال القائم على بعض الأسس العلمية وظيفة المحرِّك الرئيس الذي ينسج الحدث، ويشكل وقائعه 
وفي قصص الخيال العلمي نجد تصورات لثقافات عالم المستقبل، كمصنع كبير تديره الحواسيب الآلية، أو اختراع سيارة وقودها الماء، أو استخلاص عقار من نبات معروف يفيد في علاج مرض مستعص، أو استخدام الرقاقات الإلكترونية في شفاء بعض أنواع العمى. 
ويجسد التخيل القدرة على الإبداع والابتكار، والخروج عن المألوف، كما أنه يمثل بنية افتراضية عناصرها من نسيج الخيال، ويتطلب تحقيقها جملة من الشروط والعناصر، والعوامل المساعدة، ومعرفة علمية كافية، هذا إذا كانت قابلة للتحقيق ولم تكن من شرود الخيال. 
ويمكن توظيف ملكة التخيل للارتقاء بمستوى التفكير، والتدريب للمساعدة في زيادة القدرات الإبداعية مثل: الطلاقة، والأصالة، والمرونة، والميل إلى معرفة التفصيلات. 


9 - نقل الخبرة من موقف إلى آخر: يتعلم الفرد في ظروف ومواقف معينة مفاهيم، ومبادئ، وحقائق، ويعالج موضوعات ومشكلات عديدة، ويتعرّف على ظواهر مختلفة، تشكل كلها مخزونه المعرفي 
وليس المقصود من التعلم أن يلجأ الفرد إلى هذا المخزون عندما يمر بظروف ومواقف مماثلة لما مرّ به فحسب، بل المقصود أيضاً أن يستفيد من ذلك المخزون في مواقف وظروف جديدة. فتعلَّم الرياضيات في المدرسة -مثلاً- يمكِّن الفرد من حساب نفقاته الشهرية، أو إعداد الميزانية الخاصة بتجارته، أو استخدام الرياضيات في تطبيقات صناعية، وإذا ذهبنا إلى أبعد من هذا نقول: إن الرياضيات تعلمه أن في الحياة مواقف لا تنفع فيها العواطف ولا يستخدم فيها إلا المنطق والبرهان. فإثبات أن مربع الوتر في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع مربعي الضلعين الآخرين لا يتم إلا بالبرهان، ولا تنفع فيه العواطف أو الوساطات . 

 
مقالة للكاتب : د. أحمد البراء الأميري (بتصرف