دورالتعليم العالي في التنمية البشرية

 

بسم الله الرحمان الرحيم

دورالتعليم العالي في التنمية البشرية في الجماهيرية

 

 

                                                               

د / سالم عبدالله سعيد الفاخري

قسم التربية وعلم النفس – كلية الآداب جامعة سبها

بحث مقدم لمؤتمر دور العلوم الإنسانية في التنمية البشرية

" كلية الأداب جامعة سبها خلال الفترة 12-14/11/2008 ف "

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملخص البحث

        يلعب التعليم العالي دوراً مهماً في حياة الشعوب ، وفي تحديد مقدراتها ومصيرها ، واستطاعت بعض الدول أن تحقق نموها الاقتصادي والاجتماعي من خلال تعليمها العالي ،  باعتباره أرادة فعالة للتحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، ومدخلاً طبيعياً لأية تنمية قومية ، فالإنسان سوف يظل هدف التنمية ووسيلتها .

      ووظيفة التعليم العالي تنعكس بصورة رئيسة في التنمية وتطور الموارد البشرية وايجاد المهارات والتخصصات الضرورية لعملية التنمية ، فاكتشاف الامكانات أو الموارد الطبيعية واستغلالها واستثمار  رأس المال وتطور التكنولوجيا وانتاج البضائع والسلع والقيام بالأعمال التجارية يحتاج إلى موارد بشرية ، والمجتمع الذي لا يكون قادراً على تنمية وتطوير موارده البشرية لا يمكن أن يكون قادراً على بناء أى  شئ .

      والمتتبع لتطور التعليم في معظم المجتمعات يجد أن أى مجتمع من هذه المجتمعات يحرص على تأسيس  جامعاته ومعاهده العالية ، وذلك كما فعل المجتمع الليبي ليستكمل بذلك نظامه التعليمي وهيبته العلمية والوطنية والقومية والدولية معتبراً ذلك ضرورة ثقاقية واجتماعية واقتصادية وسياسية ، وناظراً إلى ما يصرف على ذلك  التأسيس على أنه نوع من الاستثمار الذي له عائده المحقق في مجال التنمية البشرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

      ويمثل الإنسان محور العملية التنموية من خلال تعليمه وتدريبه وتأهيله بحيث يكون مؤهلاً للعمل الذي يتناسب وقدراته ، ومنفذاً لخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية وهنا يمكن صياغة المشكلة في :

         ما الدور الذي يمكن أن يقوم به التعليم العالي في الجماهيرية في التنمية البشرية ؟ ويتفرع من السؤال عدة تساؤلات فرعية هي :

أ – ما وظائف التعليم العالي وأهميتها في التنمية ؟

ب – ما دور التعليم العالي في التنمية البشرية ؟

جـ - ما واقع التعليم العالي في الجماهيرية ؟

د - ما  مستقبل التنمية البشرية للتعليم العالي في الجماهيرية ؟

وجاء البحث محققاً عدة أهداف أهمها :

1.    الوقوف على وظائف التعليم العالي وأهميتها في التنمية

2.    الوقوف على دور التعليم العالي في التنمية البشرية

3.    التعرف واقع التعليم العالي في الجماهيرية .

4.    التعرف على مستقبل التنمية البشرية للتعليم العالي في الجماهيرية

    وقد انتهج البحث المنهج الوصفي التحليلي  من خلال عرض الأفكار وتحليلها واستخلاص الأحكام للوصول إلى النتائج وذلك من خلال مجموعة من المحاور سار بها البحث وهي :

المحور الأول : وظائف التعليم العالي وأهميتها في التنمية .

المحور الثاني : التعليم العالي والتنمية  البشرية .

المحور الثالث : واقع التعليم العالي في الجماهيرية

المحور الرابع : مستقبل التنمية البشرية للتعليم العالي في الجماهيرية .

مقدمة البحث ومشكلته:

 يمثل التعليم العالي في آي مجتمع من المجتمعات قمة السلم التعليمي ، الأمر الذي أدى إلي تبوأ هذا النوع من التعليم مكانة مرموقة بين مراحل التعليم في هذه المجتمعات ، وفي الوقت نفسه ألقي علي هذا التعليم مسؤوليات كبيرة ووظائف عديدة ، جعلته يحتل مركز الريادة وموقع الصدارة بين مؤسسات المجتمع التي تلعب دوراً حيوياً في تحقيق التقدم والرقي للمجتمعات البشرية.

كما يعد التعليم العالي ثمرة من ثمرات تطور المجتمع ، وسبباً من أسباب تقدمه ، لأنه  هو الذي يوفر القوة البشرية ذات المستوي العالي من الإعداد  والتأهيل ، بحيث تكون قادرة علي تطوير وتحديث المجتمع، ومن ثم صار التعليم العالي في كل المجتمعات أكثر أهمية بسبب تعقد الحياة الإنسانية المعاصرة والدور الذي يقوم به في خدمة التطور القومي.

وقد جري العرف علي أن للتعليم العالي وظيفتين تقليديتين هما التدريس والبحث العلمي، ولكن بمرور الزمن وتعقد الحياة اتسعت مسؤوليات الجامعة وتعددت نشاطاتها حتى أصبحت علاقتها ببيئتها متشابكة معقدة، وأصبحت الآمال المعقودة عليها كثيرة ومتنوعة، وبالتالي لم تعد هاتان الوظيفتان علي ما أصابهما من تطور كافيتين لعمل الجامعة، بل أصبحت مسؤولة عن وظيفة ثالثة جديدة وهي خدمة المجتمع. (1)

وقد أكدت الدراسات والأبحاث أنه لا مكان في الوقت الحاضر للتعليم المنعزل عن المجتمع ومشكلاته ، وأن التعليم العالي الفعال هو الذي يكون وثيق الصلة بحياة أفراد المجتمع وحاجاتهم ومشكلاتهم والقادر علي إحداث التنمية الشاملة كما تشير الدراسات والبحوث في التعليم العالي في كثير من دول العالم إلي أنه عملية تفاعل مستمر بين الفرد المتعلم وبيئته المادية والاجتماعية ، وأن التعليم العالي الفعال هو الذي يكون وثيق الصلة بحياة السكان وحاجاتهم وآمالهم ، وأن الهدف الأول للتعليم العالي هو تطوير المجتمع والنهوض به إلي مستوي تكنولوجي واقتصادي وصحي واجتماعي وثقافي أفضل، وعلي هذا يتحدد أسلوب التعليم العالي فيكون عن طريق التعليم بالعمل والنشاط والإنتاج والبناء ومواجهة المشكلات اليومية التي تواجه الفرد أو المجتمع.(2)

كما أن التعليم العالي قادر علي الإسهام بدور كبير ومتزايد في تنمية الموارد البشرية في ضوء ما تملكه الجامعات من قوي بشرية وإمكانيات مادية ، وفي ضوء الدور المحتمل أن تلعبه مخرجات هذه المرحلة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية  ، كما يساهم هذا التعليم في إعداد القيادات العلمية والفكرية التي تتولي قيادة المجتمع، وكذلك إعداد الكوادر العلمية التخصصية التي تتولي بالبحث والدراسة مشكلات المجتمع بهدف تطوره وتقدمه، وان هذه المهمة لا تكتمل ما لم تتقدم الجامعة برجالها وخبراتها العلمية ودرايتها الفكرية الراسخة لتقوم بدور مباشر في عملية التنمية، وتساهم بالعمل الواعي في ميزان الإنتاج واستغلال الموارد للتطبيقات العلمية التي تتزايد بصورة لم يستهدف الإنسان من قبل حتى أن خرجي  الأمس أصبحوا يعانون أمية علمية أمام استكشافات اليوم (3)

        وقد تزايد الاهتمام بأهمية الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العالي ، وخاصة في الدول النامية، ولا سيما بعد أن حصلت علي استقلالها ، لترسيخ مكانتها في الحضارة العالمية والمحافظة علي استقلالها السياسي والاقتصادي ، كما أنها استهدفت القضاء علي كل معوقات تقدمها والاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية والبشرية لكي تلبي حاجات شعوبها الأساسية، وتحقق أهدافها المنشودة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

" ونظراً لأن التعليم الجامعي والعالي يعدان اللبنة المكملة والضرورية في بناء آي نظام تعليمي ، فإن المتتبع لتطور النظم التعليمية في مختلف المجتمعات يجد أن أي مجتمع من هذه المجتمعات يحرص أول ما يحرص علي تأسيس جامعاته  ومعاهده العالية ، وذلك كما فعل المجتمع العربي الليبي ليستكمل بذلك نظامة التعليمي وهيبته العلمية والوطنية والقومية والدولية ،

معتبراً ذلك ضرورة ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ، وناظراً إلي ما يصرف علي ذلك التأسيس علي أنه نوع من الاستثمار البشري الذي له عائده المحقق في مجال التنمية البشرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ". (4)

وإذا كان الإنسان هو المحور الأساسي للتنمية البشرية ، وحتى تأتي هذه الطاقة البشرية ثمارها فلابد من تعهدها بالرعاية والعناية عن طريق التعليم والتدريب والتأهيل وهذا يوضح دور التعليم العالي في إعداد الإنسان وتأهيله لسوق العمل- كماً ونوعاً  – وخاصة عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وهنا يمكن أن نتساءل .

س- ما الدور الذي يمكن أن يقوم به التعليم العالي في الجماهيرية في التنمية البشرية؟

ويتفرع من هذا السؤال الرئيس عدة أسئلة فرعية هي :

1- ما وظائف التعليم العالي وأهميتها في التنمية ؟

2- ما دور التعليم العالي في التنمية البشرية ؟

3- ما واقع التعليم العالي في الجماهيرية ؟

4- ما مستقبل التنمية البشرية للتعليم العالي في الجماهيرية ؟

أهداف البحث:

 يهدف البحث إلي :-

1- الوقوف علي وظائف التعليم العالي وأهميتها في التنمية .

2- الوقوف علي دور التعليم العالي في التنمية  البشرية .

3- التعرف علي واقع التعليم العالي في الجماهيرية .

4- التعرف علي مستقبل التنمية البشرية للتعليم العالي في الجماهيرية .

منهج البحث وخطته:

 ينتهج البحث المنهج الوصفي التحليلي من خلال عرض الأفكار وتحليلها واستخلاص الأحكام للوصول إلي النتائج وذلك من خلال الخطوات التالية :

المحول الأول: وظائف التعليم العالي وأهميتها في التنمية .

المحور الثاني : التعليم العالي والتنمية البشرية .

المحور الثالث: واقع التعليم العالي في الجماهيرية .

المحور الرابع: مستقبل التنمية البشرية للتعليم العالي في الجماهيرية .

تحديد مصطلحات البحث:

التعليم العالي: وهو الذي يتم علي مستوى الجامعات والكليات والمعاهد المرتبطة بها ، ويتضمن هذا النوع من التعليم ثلاثة مستويات : المستوى الأول : ويشمل المعاهد التخصصية في كافة المجالات والتي تنتهي بحصول الطالب علي شهادة تؤهله للعمل في المجتمع في تخصصات فنية من صناعية وتجارية وإدارية وصحية ومعلمين ... أما المستوى الثاني : فهو التعليم في الجامعات والكليات ، وتستمر الدراسة بها ( 4-6 ) سنوات حسب طبيعة الدارسة ويحصل الطالب علي شهادة البكالوريوس أو الليسانس في مختلف التخصصات المختلفة . والمستوى الثالث : هو الحصول علي شهادة عليا تعقب التعليم الجامعي ويحصل الطالب في الدراسة العليا علي ثلاثة أنواع من الشهادات هي الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه وكل هذه المستويات يلحق بها الطالب بعد حصوله علي شهادة الثانوية .

التنمية البشرية :

يقصد بالتنمية البشرية – وخاصة في المؤسسات التعليمية كالجامعات والمعاهد العليا والكليات ومراكز إعداد الفنيين – رسم مشروعات لمزيد من العناية بالعملية التربوية والفنية والتعليمية ، واستثمار الجهود فيها إلي أقصي حد ، علي أن يكون التخطيط محققاً للأهداف متمشياً مع التطور المنشود ، مشتملاً علي خطوات التنفيذ ، مبنياً علي الواقع وفي حدود الإمكانيات مدعماً بالإحصاء والنماذج والأمثلة ، وعلاج المشكلات بحلول واقعية ملائمة للإمكانيات ومسايرة لمقومات المجتمع وأهدافه .

المحور الأول : وظائف التعليم العالي ودورها في التنمية.

يعتبر التعليم العالي أحد ركائز النظام التربوي حيث يمثل مرحلة نهائية في إعداد الأطر البشرية المؤهلة والمدربة بدرجة عالية معرفياً ومنهجياً لقيادة التنمية الاجتماعية بمفهومها الشمولي ، كما يعمل التعليم العالي علي تخريج باحثين ومستشارين وأكاديميين من حملة الشهادات العليا ويعتبر بيت الخبرة ومجمع الاستشارات في المجتمع ، وعليه يمكن إجمال وظائف التعليم من خلال وظائف الجامعة التالية : ( 5 )

1- وظيفة التدريس والتعليم والتدريب التي تستطيع الجامعة بها تزويد طلابها علي اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم ومراحلهم الدراسية بالمعارف والمهارات والاتجاهات التي يحتاجون إليها لأعداد أنفسهم إعداد صالحاً يؤهلهم لمستقبل المهن والوظائف والمستويات التي تنتظرهم في مجتمعهم .

       وتسمي هذه الوظيفة أحياناً " الوظيفة المهنية " لأن الطالب الجامعي من خلال هذه الوظيفة قد تم إعداده أعداداً مهنياً بمقتضي الإلمام بمناهج جامعية أو عالية عاماً بعد آخر حتى يصل إلي المستوي الذي يؤهله الترخيص بمزاولة مهنة معينة في المجتمع.

2- وظيفة البحث العلمي التي تستطيع بها الجامعة أن تساعد في الكشف عن أسرار الكون والمادة والحقائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك من الحقائق ، وفي تفسير الظواهر ووصفها ، وفي الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والطبيعية وأصبحت الجامعات تقيم الآن بمدي تقدم البحث العلمي فيها، فالجامعة لا تصبح جامعة فاعلة إلا إذا نشط البحث العلمي فيها، ومن ثم لا يصح لهيئة التدريس في جامعة ما أن تعفي نفسها من متاعب الإسهام في البحث العلمي أن ذلك معناه أنها قد أعفت نفسها من الوجود كهيئة جامعية حقيقية.

فالبحث العلمي تقع عليه  مسؤولية قيادة المجتمع ، ويعتبر الأساس لأي تطور اقتصادي واجتماعي ، وفي مواجهة وحل  المشكلات التي يواجهها المجتمع في مختلف مجالات حياته وتنميته  علي أسس علمية سليمة ، قوامها تطبيق الأسلوب العلمي في التفكير وحل المشكلات وصنع القرارات ، فهو الأسلوب الذي يتسم بالدقة والموضوعية، وإذا كان نجاح البحث العلمي يتوقف علي كثير من العوامل والامكانات البشرية والمادية ،فإن أهم هذه العوامل و الامكانات جميعاً هم الباحثون العلميون علي اختلاف تخصصاتهم وفئاتهم ومستويات إعدادهم وتدريبهم ، فالباحث العلمي هو المخطط والمنفذ والموجه والمقوموالمقييملجهود ومناشط وعمليات البحث العلمي والمسخر لنتائجه ومعطياته في خدمة المجتمع ، وتحقيق تطوره وتقدمه علمياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً أو علي الأقل المسهم والمشارك الفاعل في عمليات التخطيط والتنفيذ والتوجيه والتقويم والتطبيق هذه.(6)

3- وظيفة تحقيق التعاون العالمي والإنساني ، وذلك من خلال ما تقوم به من تعليم وتدريس وتدريب وما تقدمه من معارف ودراسات إلي طلابها عن مختلف الأمم والشعوب والمجتمعات ، وما تبنيه من علاقات علمية مع مختلف المنظمات والجامعات ومراكز البحوث في العالم ، وما تساهم به من مشاركات ايجابية في مختلف الأنشطة ، والأعمال العلمية التي تتم علي المستوى الإقليمي والدولي وغير ذلك من العلاقات المختلفة .

4- وظيفة خدمة المجتمع التي يفرضها علي الجامعة كونها إحدى مؤسسات المجتمع التي تنبع من حاجاته ، وتعبر عن آماله وتتفاعل مع ما يجري ويوجد فيه ، فتتأثر به وتؤثر فيه ، وتقود حركة تغيره ونموه وتقدمه ، وتساهم في حل مشكلاته ، وتزوده بما تحتاجه تنميته في مختلف المجالات من قوى بشرية مدربه تدريباً عالياً ، وتساعد في ترقية ثقافته وتراثه وتنقيتهما من الشوائب  التي تكون قد لحقت بهما وفي نقلهما إلي الأجيال اللاحقة وتجديد هما وتطويرهما باستمرار ، ولذلك قيل أن الجامعة تستمد شرعيتها من مجتمعها .

     كما أن الوظيفة الاجتماعية للجامعة يمكن حصرها في أربع وظائف رئيسة هي : (7)

1- إعداد القوى البشرية المدربة مهنياً لمواجهة حاجات مهن وتخصصات فنية محددة كالطب والقانون والمحاسبة وغير ذلك .

2- التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة ، فالجامعة هي نقطة الاتصال بين الأجيال ، ومحور الاحتكاك الحقيقي للفرد بالقيم الاجتماعية التاريخية ، وأداة اكتساب الأفراد منظوراً أكثر ً واقعية لتحليل الظواهر .

3- تحقيق الاندماج بين أجزاء الجسد الاجتماعي القومي ، وتوحيد الآراء وبلورة الهوية القومية وتطوير الخصائص الرئيسة للشخصية القومية .

4- تحديد المفاهيم الثقافية والعقائدية التي يعتنقها المجتمع ، أو ما يطلق عليه الموقف الاجتماعي .

كما يؤدي التعليم العالي جملة من الوظائف الأساسية العامة يمكن تلخيصها في : (8)

1- توفير البيئة التي تمكن الطلاب من تنمية معلوماتهم التخصصية والثقافية العامة ، والكشف عن ميولهم وقدراتهم العقلية واتجاهاتهم الروحية والاجتماعية ، وصقل مهاراتهم مما يجعل منهم مواطنين صالحين قادرين علي القيام بدورهم في تحديث وتطوير وتنمية مجتمعاتهم .

2- الإسهام مع بقية مؤسسات المجتمع في بناء مجتمع يقدر العلم ويطبقه في مختلف مجالاته الحياتية ويحكمه فيما يتخذه من قرارات تمس حاضره وتتصل بمستقبله .

3- إعداد الكوادر العلمية اللازمة لمسيرة  المجتمع التنموية والتي يمكن أن يواجه بها التحديات والأخطار التي تهدده ، والإسهام في ابتكار النموذج الثقافي الاجتماعي الذي يميز المجتمع عن غيره ، وفي توظيف وتكييف النظم والنماذج الجديدة التي يقتبسها المجتمع عن غيره وبما يتفق مع قيمه وظروفه وخصوصيته .

4- الإسهام في أثراء الثقافة المحلية وتنشيطها وتطويرها وتطعيمها بالثقافة المعاصرة والكشف عما يحويه التراث الاجتماعي من جوانبه المضيئة .

5- الإسهام في تكوين وعي علمي وثقافي واقتصادي وسياسي ، وذلك لأن التطور والتقدم لا يتحقق إلا في جو يمنح الحرية ويحقق العدل لجميع المواطنين ويسمح بالانفتاح الثقافي ويأخذ بأسباب العلم والتقنية ويهتم بالتخطيط العلمي في كل المجالات .

       وقد أكدت الأبحاث أنه لا مكان في الوقت الحاضر للتعليم المنعزل عن المجتمع ومشكلاته وأن التعليم العالي الفعال هو الذي يكون وثيق الصلة بحياة أفراد المجتمع وحاجاتهم ومشكلاتهم

والقادر علي إحداث التنمية الشاملة ، ولذا تؤكد الخطط الجديدة للتعليم العالي علي قيام المعاهد الجامعية بوظائف مختلفة غير المهمات التدريسية والبحث العلمي تندرج جميعها تحت عنوان الخدمات العامة ، وأن نجاح هذه الجهود كافة مقرون بتغير جذري في مفاهيم الجامعة والعمل الجامعي وفي مكانة هذه الجامعة ودورها في المجتمع .(9)ولذا فأن الجامعات الناجحة في العصر الحالي هي تلك التي تفتح أبوابها للمجتمع من حولها ، بحيث تتحسس مواطن الداء فيه ، وتحاول أن تري لها العلاج المناسب ، بل وتكون حساسة لطموحات أفراد المجتمع ، وأن ترسم الطرق إلي تحقيق تلك الطموحات . (10)

تلك هي ابرز وظائف الجامعة ومعاهد التعليم العالي ، وهي وظائف مترابطة متكاملة ، يرتبط بعضها ببعض ويكمل بعضها بعضاً ، وهذا ما يمكن الجامعة ومعاهد التعليم العالي من تحقيق رسالته الكاملة ، والمساهمة في تنمية المجتمع وفي حل مشاكله ، خاصة بعد أن يتسع حجمها ويكتمل بناؤها وجهازها من أعضاء هيئة التدريس الوطنيين الملمين بمشاكل مجتمعهم والقادرين أكثر من غيرهم علي خدمته والتفاعل معه ، كما أن الجامعة لا تكتمل وظائفها ولا تكتمل كيانها إلا إذا هيأت لدراسة عليا ناجحة ، وأصبح البحث العلمي وظيفة أساسية من وظائفها وركنا أساسياً من نشاطها .

* كيف يمكن للتعليم العالي من خلال وظائفه المتعددة أن يسهم في التنمية ؟

       إذا كان للتربية مؤسسات متعددة وأن التعليم العالي أحد هذه المؤسسات ، فإن لهذه المؤسسات التربوية والتعليمية وظائف أساسية تمثل عناصر في عوامل الإنتاج والتوزيع ، وهما العنصران المتميزان في تحديد التنمية الاقتصادية ( ثروة وإنتاجاً ) والتنمية الاجتماعية ( توزيعاً وإشباعاً ) ، فإنها تساهم في : (11)

1- تكوين رأس المال البشري وتنمية الموارد البشرية .

2- البحث والكشف عن المعارف الجديدة .

3- تطوير الاتجاهات الفكرية والاجتماعية بما يوفر ثقافة مشتركة ومنهجاً فكرياً مشتركاً للعمل .

4- نشر المعرفة وإشاعتها بين أكبر عدد من الموظفين .

       فوظائف التعليم العالي لابد وأن تسعي جاهدة حتى تحقق أهدافها في تخريج الطاقات البشرية المدربة والمؤهلة علي ممارسة عمل معين في المجتمع ، فوظائف التعليم العالي حين يستهدف بناء الإنسان وتنمية قدراته وأماناته تنمية متكاملة يجب أن يضع في اعتباره ذاتية الفرد وأهداف مجتمعه ، ومقومات مستقبله التي تشمل كل ما يتضمنه العصر من اتجاهات ومؤثرات ومتغيرات توجه نظام الحياة .

       كما أن التعليم العالي يسعى دائماً إلي تحقيق الوظائف التالية :

1- تدريب الرجال والنساء وأعدادهم ليكونوا رواداً للقطاعات المختلفة كالزراعة والصناعة والتجارة والتدريب لكافة شئون الحياة .

2- الإفادة من أعضاء الهيئة التدريسية في القطاعات المختلفة من الجامعة ، ذلك أن المدرسين الذين يمتلكون مواهب وقدرات يشكلون مجموعة من المستشارين والأخصائيين لدى هذه القطاعات .

3- تطوير التعليم علي مختلف المستويات نتيجة للأبحاث التي يتوصل إليها التعليم العالي عن طريق البحث العلمي .

إن وظيفة التعليم العالي تنعكس بصورة أساسية في تنمية وتطور الموارد البشرية ، وإيجاد المهارات والتخصصات الضرورية لعملية التنمية ، فاكتشاف الإمكانيات أو الموارد الطبيعية واستغلالها واستثمار رأس المال وتطور التكنولوجيا وإنتاج البضائع والسلع والقيام بالأعمال التجارية يحتاج إلي موارد بشرية مؤهلة ومثقفة .

التعليم العالي والتنمية البشرية

       إذا كانت الموارد البشرية يمكن أن تنمي بطرق متعددة ـ فإن التعليم العالي يمكن أن يسهم بدور كبير ومتزايد في هذه الموارد ، وذلك وفي ضوء ما تملكه الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من قوى بشرية وإمكانات مادية كبيرة ، وفي ضوء الدور المحتمل أن تلعبه مخرجات هذه المرحلة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، كما يلعب التعليم العالي بصفة عامة أدواراً مهمة في حياة الشعوب والأمم ، فهو المسؤول عن الحفاظ علي تراثه الثقافي وتطويره والإضافة إليه . (12)

       وكما كانت الموارد البشرية هي إحدى الشروط الرئيسة التي لا يمكن لعملية التنمية أن تنجح بدونها فإنه من الضروري أن يعطي الأولوية في التخطيط من أجل تنمية البشر ، وأن يتجه التعليم العالي ليلعب دوراً مهماً وحيوياً في إعداد الموارد البشرية والقوى العاملة المطلوبة من الناحيتين الكمية والنوعية لمواجهة الثورة العلمية والتكنولوجية في العالم المعاصر ، وتلبية خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية من المهارات والاختصاصات ولتحقيق ذلك يجب أن يكون هناك ربط بين خطط التنمية الشاملة والتخطيط للتعليم العالي ، وأن يساهم التعليم العالي في تأدية رسالته في إعداد الموارد البشرية اللازمة لخدمة التنمية الشاملة .(13)

       إن تنمية الموارد البشرية يتطلب من التعليم العالي أن يعمل علي ضرورة إعداد أفراد قادرين علي الاستمرار في التعامل مع المتغيرات العالمية والمحلية ، ومتابعة البحث والتطوير ، وأيضاً إعداد أفراد قادرين علي التكيف والتلاؤم مع المتغيرات الحضارية الحادثة ، كذلك إعداد أفراد قادرين علي المستقبل والتحكم فيه ، ولديهم رؤية نقدية فاحصة حول قدراتهم علي امتلاك ناصية أمورهم وتزويدهم بالمعلومات والمهارات التي تمكنهم من السيطرة علي مصائرهم . (14)لذا فوجود علاقة ارتباط بين التخطيط للتعليم العالي وخطة التنمية يؤدي إلي إعداد الموارد البشرية دون نقص في المهارات والاختصاصات المطلوبة لتنفيذ خطة التنمية والي القضاء علي البطالة بين الخريجين وخاصة أنهم يملكون مؤهلات تحتاجها المشاريع التنموية وسوق العمل في حاجة إلي تخصصاتهم .

إضافة  إلي ما سبق  يمكن القول إن التعليم العالي يلعب دوراً مهماً في إزالة الفقر ، وزيادة فرص العمل للمواطنين ، بالإضافة إلي تحسين توزيع الدخل بينهم، وله قيمة فردية في زيادة إنتاج المواطن ، وقيمة اجتماعية من حيث تحسين إنتاجية بقية المواطنين ، كما إن انتشار التعليم يساعد علي القضاء علي كثير من العادات والتقاليد التي تعيق عملية التنمية ، كما أصبح التعليم حقاً من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون ، في ضوء ذلك يمكن إجمال وتحديد الدور الذي يقوم به التعليم العالي في تحقيق التنمية البشرية من خلال المحورين التاليين :

1-تعديل أنماط السلوك ونظام القيم والاتجاهات بما يناسب الطموحات التنموية في المجتمع.

2-إعداد القوي البشرية اللازمة والمدربة للنهوض بالمشروعات الاقتصادية والاجتماعية وتزويدها بالمعارف والمهارات والقيم التي يتطلبها خصائص العصر الحديث(15)

وإذا كانت مهمة التعليم العالي مقتصرة علي إعداد الموارد البشرية المؤهلة التي تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فلابد من تطبيق مبدأ الانتقائية الذي يعني القيام باختيار إعداد محددة من الراغبين في الدخول إلي الجامعة لمواجهة الاختصاصات المطلوبة حاضراً ومستقبلاً ،وخاصة في ظل مبدأ ديمقراطية التعليم المعمول به في الجماهيرية ، فالتوفيق بين هذا المبدأ وبين احتياجات خطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية مطلوب .

ولهذا بدأ الاتجاه يتزايد في الاهتمام بأنماط التعليم غير التقليدية بغية تحسين نوعية المخرج التعليمي الذي يستطيع أن يتكيف مع متطلبات سوق العمل ومتغيراته ، وتغير المهن فتم استحداث نماذج جديدة لتطوير التعليم العالي مثل : (16 )

1-   الجامعة الشاملة: والتي بدأت في انجلترا وألمانيا ، وهي تقوم علي أساس فكرة الشمولية في تنظيم التعليم الجامعي .

2-الجامعة المفتوحة:open.universityوهي نمط من الأنماط المؤسسية المستخدمة في التعليم العالي في كثير من البلاد يمكن الطلاب من الحصول علي الشهادة الجامعية للطلاب البالغين غير المتفرغين ، وفرص الالتحاق بها متاحة للجميع دون التقييد بشروط السن أو المؤهلات العلمية .

3-جامعة الهواء: university of Airوهي نمط يعتمد علي وسائل الأعلام والاتصال في توصيل خدمات التعليم العالي إلي الطلاب في أقامتهم .

4-   الجامعة بدون جدران university without watlsوهي مؤسسة مستقلة لها كيانها المستقل تقوم بتنظيم دراسات جامعية تلقي عبر الأثير في شكل برامج إذاعية مسموعة ومرئية دون أن يكون لهذه المؤسسة مبان أو منشآت تمارس فيها العملية التعليمية ، ثم يتم توصيل المعرفة إلي الطلاب في أماكن حيث تخصص قاعات أو مراكز إقليمية لم تتوافر لهم فيها أجهزة الإذاعة المسموعة والمرئية والأشرطة المسجلة وغيرها من الوسائل التعليمية.

5-   مؤسسات التعليم العالي التعاوني : Cooperative Higher Educationوهذه المؤسسات تسهم في زيادة مساهمه المؤسسات الإنتاجية في تحقيق أهداف النظام التعليمي ، والمساهمة في كلفته المالية ، بالإضافة إلي زيادة الربط بين التعليم والعمل المنتج، وتوسيع فرص التعليم العالي أمام فئات جديدة من المجتمع.

6- مؤسسات التعليم العالي قصيرة الدورة:short Cycle Higher Educationوهي مؤسسات تستمر مدة الدراسة فيها أقل من أربع سنوات (ما بعد المرحلة الثانوية) وتوجد هذه المؤسسات تحت مسميات عديدة منها ( كليات المجتمع) أو( الكليات الصغيرة) أو ( المعاهد الفنية) أو (البولينكتيك) أو (المعاهد المتوسطة) أو (المعاهد الجامعية التكنولوجية ) وغيرها من المسميات ، وتختلف هذه المؤسسات باختلاف البرامج التي تقدمها ، فبعضها كليات متخصصة مثل كليات إعداد المعلمين وبعضها متعددة التخصصات .

وقد استخدمت كندا عدة أنظمة تعليمية غير تقليدية حتى يمكنها دخول المنافسة الاقتصادية العالمية ومن هذه الأنظمة :

أ- التعليم مدي الحياة للكبار فوق سن 25سنة جنباً إلي جنب مع التعليم التقليدي الذي سوف تقل أعداد طلابه :

ب- التعليم التشاركى بين المؤسسات التعليمية ، ومؤسسات التدريب وبين أصحاب الأعمال .

ج-  تحسين النظام التربوي باستخدام  وسائل حديثة مثل التلفزيون التعليمي، وعن طريق التليفون واتحاد مدارس الكمبيوتر ، وفتح قنوات اتصال مع مجموعات المجتمع للمناقشات المحلية .

د‌-    التعليم عن بعد والذي أصبح ضرورة لمتطلبات الاقتصاد التعليمي

 وبدأت الجامعات في إحداث تغيرات بنيوية في الهيكل الجامعي بما يسمح بإقامة وحدات جامعية معينة لدراسة بعض المشكلات كإنشاء معاهد أو مراكز للدراسة والبحث حيث أن هذه المراكز تخرج المعلومات والأبحاث المرتبطة بمشكلات التنمية الإقليمية والوطنية والدولية وأيضاً تم تطوير المناهج وتحسين البرامج ، بحيث تكون أقرب إلي حاجات المجتمعات في مسيرتها نحو التقدم والنماء وربط التعليم الجامعي بالعمل ، وتطوير برامج البحوث والدراسات العليا والاهتمام بتقييم البرامج القصيرة التي تستهدف الخدمة المباشرة للجمهور لأبناء المجتمع ، كذلك بدأ الاتجاه يتزايد نحو توثيق العلاقة بين مؤسسات التعليم العالي  ومؤسسات الإنتاج ، ومساهمة في تطوير هذه المؤسسات من خلال وظيفتين التعليم والبحث العلمي مع عدم إغفال وظيفة خدمة المجتمع.

      ولما كانت الثورة العلمية والتكنولوجيا قد أدت إلي مزيد من التركيز علي أهمية عامل المعرفة في نطاق العلاقات الدولية المتبادلة ، فهذا يحتم علي التعليم العالي أن يركز علي المعرفة العلمية التي تؤدي بالعقل البشري إلي التفتح والإدراك والنقد والتخيل  والإبداع والابتكار والمرونة والي البحث العلمي الجاد الذي له دور كبير في التنمية ، وفي تطوير مجالات الحياة المختلفة في المجتمع (17)

       إن هذه الثورة العلمية وما أحدثته في سوق العمل من تغيرات بحاجة إلي بنية تعليمية مفتوحة تعتمد علي شبكات معرفية مفتوحة، والي زيادة منهجية التعليم الذاتي لتنمي لدي الطالب  القدرة علي تعليم ذاته وتنمى لديه  الاستعداد للاستغناء عن كل الخبرة التي اكتسبها من التخصص الضيق ، وتحتاج أيضاً إلي تعليم شامل ينمى القدرة علي الربط بين المعارف وبين أجزاء العمل وفروعه واستنباط معلومات جديدة ، وهذا يعني تعميق فكرة التعليم خالق المعرفة ، وليس مجرد المحتفظ بالمتاح منها ، والي تعليم مستمر باستمرار حياة الإنسان لمتابعة وملاحظة المتغيرات المتسارعة والمتلاحقة .

         إن التحديات التي تجابه كل المجتمعات تفرض أيضاً تحديات علي التعليم العالي لكي يخلق أنواعاً جديدة من الخريجين يتقنون استخدام التكنولوجيا المتقدمة، ويتعاملون مع الثورة العلمية والارتقاء بمستوي أدائهم للتطبيقات العملية، فيجب أن يتعلموا الممارسة بأيديهم مثل ما يتعلمون المعرفة بعقولهم، مع استيعابهم لعلوم الحاسبات وتطبيقاتها ، وإتقان الأساليب الحديثة في الحصول علي المعلومات بالقدر المطلوب وبالشكل المناسب وفي الوقت الملائم ، مع إجادة اللغات الحية ، والأساليب الرياضية والإحصائية، وأيضاً الاهتمام بشخصية الطالب اجتماعياً، لا ن ارتفاع القيمة الاقتصادية للتعليم تكمن فيما تكسبه الأفراد من اتجاهات وقيم وأنماط سلوكية واجتماعية ومعارف علمية ومهارات إنتاجية ، ومن هنا فإن المعيار في تقييم نوعية التعليم من منظور عالم العمل يكمن في تكوين القيم والاتجاهات لدي الطلاب التي من شأنها إكسابهم صفات معينة مثل الأمانة والصدق والواقعية والقدرة علي الخلق والإبداع والتكيف مع الظروف المتغيرة .

         إن الثورة العلمية الجديدة قد أحدثت تغيرات خطيرة في العالم ، حيث تنقرض مهن وتخصصات قديمة وتبزغ مهن وتخصصات جديدة يومياً ، ومن هنا يكون تطوير التعليم وتحديثه أمراً ضرورياً وحتمياً ، باعتباره الأداة القادرة علي تطوير امكانات الإنسان الليبي بما يمكنه من التعامل مع تكنولوجيا العصر ،وإمام هذا التغير كان لزاماً علي الجامعة أن تكون قادرة علي استثمار الثورة العلمية الجديدة، وأدوات المعرفة في إثراء العملية التعليمية ،سواء من خلال تقديم الخبرات العملية في المنهج ، أو استخدامها كتقنية مساعدة علي تقديم خبرات المواد الدراسية المختلفة وسوف يتأثر التعليم الجامعي بعد الثورة العلمية وبالتالي عليه أن يساعد الطلاب علي

 اكتساب المهارة في كل من التفكير العلمي وحل المشكلات والتعليم الذاتي والدراسات المستقبلية وتقبل التغير وسرعة التكيف معه والتأثير فيه.

 المحور الثالث : واقع التعليم العالي في الجماهيرية

         لقد شهد التعليم العالي تطوراً ملحوظاً، وقد اهتمت ثورة الفاتح بالتعليم الجامعي والبحث العلمي إيماناً منها بأهميته في مواكبة التطور والتقدم التقني الحديث حتى يتمكن المجتمع من تلبية احتياجاته من القوة البشرية المؤهلة تأهيلاً عالياً في مختلف المجالات العلمية والتقنية ، وتمشياً مع الإعداد لتطبيق البنية التعليمية الجديدة، فقد تم التوسع في إنشاء الجامعات التخصصية من ناحية وتوزيع هذه الجامعات علي مختلف المناطق بالجماهيرية العظمي بحيث لا يقتصر وجود الجامعات والتعليم العالي علي المدن حتى تتاح الفرصة لجميع أفراد المجتمع الاستفادة من هذا النوع من التعليم وفي هذا الإطار تم إنشاء الجامعات الجديدة بالإضافة إلي الجامعات القائمة وفق الهيكلية الجديدة التي جاءت بها وفق قرار اللجنة الشعبية العامة رقم(745) لسنة1991م، حيث وصل عدد الجامعات (12) جامعة تضم (68) كلية بالإضافة إلي (19) معهداً عالياً في كآفة التخصصات المختلفة ، كما ينتشر علي ما يزيد علي عشر مراكز بحثية في تخصصات مختلفة(18) .

وقد اتضحت أهداف التعليم العالي والجامعي بصفة عامة في البرامج والخطط التنموية التي شهدتها البلاد في الفترة من 1973-1985ف والتي تتلخص في الأتي (19).

1- ربط التعليم بمتطلبات خطط التنمية ا<