من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي ؟

من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي ؟
قصة وراءهاقصة
بقلم د. كينيث بلانشارد
إنني أشعر بسعادة بالغة ؛ لأنني سأقدم لكم القصة التي كانت السببوراء خروج كتاب " من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي ؟ " إلى حيز الوجود ، وهذا يعنيأن الكتابالآن أصبح مكتوباً ومتاحا ً للجميع كييقرؤوه ، ويستمتعوا به ، ويتقاسموا فائدته مع الآخرين
هذا هو الشيء الذي أردت أن يحدث بشدة منذ سمعت سبنسر جونسون لأول مرة، وهو يتحدث عن قصته العظيمة " الجبن " منذ عدة أعوام قبل أن نشترك أنا وهو فيتأليف كتابنا " مدير الدقيقة الواحدة " . أتذكر أنني وقتها شعرت بجمال القصة ، وكيفأنني أستطيع أن أستفيد منها منذ تلك اللحظة ، وما زلت أستفيد منها حتى الآن.
هذا الكتاب عبارة عن قصة ــ تتحدث عن ــ التغييرالذي يحدث داخل متاهة يوجد بها أربعة أشخاص ظرفاء يحاولون البحث عن قطعة " جبن" ،وقطعة الجبن هنا هي رمز لما نريد أن نحصل عليه في حياتنا ، سواء كان وظيفة ، أوإقامة علاقات مع الآخرين ، أو الحصول على المال ،أوعلى منزل كبير ، أو على الحرية ،أو الصحة ، أو الاهتمام ، أو السلام الروحي ، أو أية هواية كلعب الجولف أو التريض.
كل فرد منا لديه تصوره الخاص عن " قطعة الجبن " تلك، ونحن نحاول البحث عنها، لأننا نؤمن بأن فيها سر سعادتنا ؛ فإذا ما حصلنا عليها ،نتعلق بها ، أما إذا فقدناها ، أو أخذت منا غصباً فسوف نشعر بألم شديد.
أما " المتاهة " في القصة ، فهي ترمز إلى المكانالذي تمضي فيه وقتك بحثاً عن ضالتك المنشودة ، وقد يكون هذا المكان شركة ، أومجتمعاً تعيش فيه ، أو علاقاتك التي تحظى بها في حياتك.
وكثيراً ما أذكر قصة قطة الجبن هذه في محاضراتي التي ألقيها في كلأرجاء العالم ، وأعرف من كثيرين فيما بعد مدى التأثير الذي أحدثته في حياتهم.
صدق أو لا تصدق ، أن لهذه القصة الفضل في إنقاذزيجات ووظائف ، بل أرواح و بشر!
ويذكر لنا تشارليجونز ــ المذيع المشهور بتلفيزيون إن بي سي أحد أمثلة الحياة الواقعية العديدة التيتثبت أن سماعه لهذه القصة قد أنقذ وظيفته ، فوظيفته كمذيع وظيفة فريدة ولكنالمبادىء التي استقاها تصلح لأي شخص.
وفيما يلي ماحدث : كان تشارلي يعمل بجد ، وكان بارعاً في إذاعته أحداث ألعاب الأولمبياد وخاصةمسابقات ألعاب القوى ؛ ولذلك انتابته الدهشة ، وانزعج عندما سمع رئيسه في العمليخبره أنه لن يذيع هذه المباريات الرياضية في الأولمبياد القادمة ؛ حيث تقرر لهإذاعة مباريات السباحة والغوص.
ولعدم معرفته العميقةبهاتين الرياضتين ، أصابه الإحباط ، وشعر بأنه غير مرغوب فيه و أصبح غاضباً ، وقالإنه شعر بأن ذلك الأمر غير عادل ! وطغى غضبه على كل شيء ، وأثر على عمله.
عندئذ سمع عن هذه القصة.
وبعد أن قرأها قال إنه ضحك على ما كان يفعل وغير موقفه ؛ حيث أدرك أنرئيسه " قد حرك قطعته من الجبن " ، وهكذا تكيف مع الموقف الجديد وتعلم الرياضتينالجديدتين ، وأثناء تعلمه ، وجد أن القيام بشيء جديد يشعره بصغر السن.
ولم يمر وقت طويل حتى أدرك رئيسه موقفه الجديدوطاقته في العمل ، وسرعان ما تولاى أعمالاً أفضل ، وأصبح يستمتع بنجاح أكبر مما كانعليه.
لقد كانت هذه مجرد قصة واحدة من القصصالحقيقية العديدة التي قد سمعتها عن تأثير هذه القصة على الناس ــ بدءاً بحياتهمالعملية وحتى حياتهم الزوجية.
إنني من أشد المؤمنينبهذه القصة ، وقد وزعت منها بالفعل عديداً من النسخ على كل من لاقيت
( أكثر من 200 شخص ) ، ممن يعملون مع شركتنا . لكنلمَ ؟
نظراً لكونها مثل أية شركة لا تبغى البقاء فيالمستقبل وحسب ، ولكنها تريد البقاء على قدر المنافسة ، فإن شركة بلانشارد للتدريبوالتنمية دائمة التغير ؛ حيث يداومون على تحريك " قطعة الجبن" ،
وبينما كنا في الماضي بحاجة إلى موظفين أوفياء ، فإننا اليوم نريدأشخاصاً يتمتعون بالمرونة ، وليسوا متعنتين بشأن الطريقة التي ينفذون بها أعمالهم.
وحتى الآن ، كما تعلمون فالعيش وسط جو من الثباتوالركود مع حدوث تغييرات طوال الوقت في العمل والحياة ، يمكن أن يولد الضغط العصبيإذا لم يكن لدى الناس وسيلة للأخذ بالتغيير الذي يساعدهم على فهم ما يدور حولهم ،وإليك قصة الجبن.
عندما رويت القصة للناس ثمطالعوها شعروا ــ كما ستشعر أنت ــ أن سحنة الطاقة السالبة التي كانت في طريقهاللخروج قد تلاشت تماماً وقام العديد من الموظفين من مختلف الأقسام في شركتي بتوجيهالشكر إليّ على تقديم هذا الكتاب لهم ، وأخبروني عن مدى استفادتهم من قراءته فيرؤية التغيير الذي يحدث بشركتنا بنظرة مختلفة تماماً.
صدقني ، فقد لا تستغرق وقتاً في قراءة تلك الأقصوصة ولكن يمكن أنيكون أثرها عميقاً.
وعندما تتصفح الكتاب ستجد أنهمقسم إلى ثلاثة أجزاء ، ففي الجزء الأول ــ يطلق عليه اسم التجميع ــ تجد مجموعة منالزملاء ممن كانوا معاً في فصل دراسي واحد يجتمعون ويحاولون التحدث عن التغييراتالتي طرأت على حياة كل منهم وكيف تعامل معها ، والجزء الثاني هو قلب الكتاب واسمه" من الذ حرك قطعة الجبن الخاصة بي ؟ " أما الجزء الثالث فهو المناقشة ، وهي عبارة عنعدة أشخاص يتناقشون بشأن ما تهدف إليه القصة ، ومغزاها بالنسبة لهم ، وكيف أنهماستخدموها في أعمالهم وحياتهم.
وقد فضل بعض قراءهذا الكتاب ــ الذين اطلعوا عليه قبل أن تتم طباعته الطبعة النهائية ــ أن يتوقفواعند نهاية القصة دون قراءة المزيد واستجلاء مغزاها لأنفسهم ، واستمتع البعض بقراءةالمناقشة ؛ لأنها حفزت تفكيرهم بشأن كيفية تطبيق ما تعلموه في مجابهة ما يقابلهم.
على أية حال ، أتمنى أن تجد في كل مرة تعاود فيهاقراءة القصة ، شيئاً جديداً ومفيداً ــ كما أجد أنا ــ وأن تساعدك على التأقلم معالتغيير وتجلب لك النجاح ، مهما كان معناه بالنسبة لك.
آمل أن تستمتع بما تكتشف ، و أتمنى لك حظاً وافراً . تذكر أن تتحركمع الجبن!

كين بلانشاردسان دييجو 1998.

التجمع
شيكاغو
ذات يوم مشمس ، اجتمع في شيكاغو مجموعة من زملاء الدراسة القدامىلتناول الغداء معاً ، وكانوا قد حضروا في الليلة السابقة حفل التخرج بمدرستهمالثانوية ، وأرادوا معرفة المزيد عما حدث لكل منهم ، وبعد قضاء بعض الوقت في المزاحوتناول الطعام اللذيذ الشهي ، خاضوا في حوار شائق.
فقالت أنجيلا ، وقد كانت واحدة من أشهر تلاميذ الفصل ــ : " غنالحياة بالتأكيد قد مضت على نحو مختلف عما كنت آراه عندما كنا بالمدرسة ، فقد تغيرالكثير" .
وردد ناثان : " لا شك في ذلك " وكمايعلمون ، فقد عرفوا أنه كان يقوم بإدارة شركة أسرته ــ التي سارت على نفس نهجها ، وأصبحت جزءاً من المجتمع المحلى لمدة طويلة ــ لذلك ، فقد كانوا مندهشين عندما بداعليه الهم والحزن ، وطرح تساؤلاً : " ولكن ألا ترون كيف أننا لا نبغى التغيير عندماتتغير الأشياء ؟" .
قال كارلوس : " أعتقد أننانقاوم التغيير ؛ لأننا نخشاه ؟.
قال جيسيكا : " لقدكنت قائد فريق كرة القدم يا كارلوس ، ولا أعتقد قط أني سمعتك تذكر أي شيء عن كونكتخاف! " .
فضج المكان بالضحكات عندما أدركوا أنهعلى الرغم من اختلاف توجهاتهم ــ من العمل بالمنزل إلى إدارة الشركات ــ ما زالوايشعرون بنفس الشعور القديم.
لقد كان كل شخص يحاولمجاراة التغييرات غير المتوقعة التي كانت تحدث لهم في السنوات الأخيرة، واعترفالجميع بأنهم لا يعرفون طريقة جيدة للتعامل مع هذه التغييرات.
عندئذ قال مايكل : " لقد اعتدت الخوف من التغيير ، وعندما حدث تغييرهائل في أعمالنا ، لم نعرف كيف نتصرف حياله ؛ ولذا فلم نؤد أي شيء بطريقة مختلفة ،وكنا على وشك الضياع."
واستدرك قائلاًً : " كانذلك هو الحال حتى سمعت قصة طريفة غيرت مجرى كل شيء" .
سأل ناثان : " كيف ذلك ؟" .
"
حسناً، لقد بدلت تلك القصة الطريقة التي أنظر بها إلى التغيير ، وبعد ذلك ، تحسنت الظروفسريعاً ، في عملي وحياتي الشخصية على حد سواء."
"
ثم نقلت هذه القصة إلى بعض الأشخاص الذين يعملون بشركتنا وتناقلوها فيما بينهم ،وسرعان ما تحسن الوضع بالشركة ؛ نظراً لأننا جميعاً انتهجنا سياسة التغيير وغيرنانظرتنا إليها ، وكما هو الحال معي ، فقد قال العديد من الأشخاص إن هذه القصةساعدتهم في حياتهم الشخصية" .
وتساءلت انجيلا: " وما هي تلك القصة إذاً ؟"
قال مايكل : إنها تحملعنواناً يقول " من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي ؟"
وضحك الجميع ، وقال كارلوس : " أعتقد أنني أحب الجبن بالفعل ، هل لكأن تحكي لنا قصتها ؟"
قال مايكل : " بالتأكيد ،وبكل سرور ؛ فلن يستغرق سردها وقتاً طويلاً"
وهكذابدأ في سرد القصة:

__________________

القصة
ذات مرة ، ومنذ وقت بعيد في أرض بعيدة ،كانهناك أربع شخصيات صغيرة تجري داخل متاهة بحثاً عن قطعة جبن تطعمها ؛ لتحيا حياةسعيدة.
وكان منها فأران اسمهما " سنيف " و " سكورى" ، واثنان قزمان يماثلان في حجمهما حجم الفأرين ، ولكن تصرفاتهما كانت تشابهكثيراً تصرفات البشر اليوم ، واسماهما " هيم " و " هاو" .
وبفضل حجميهما الصغير كان من السهل عدم ملاحظة ما كان يقوم به هؤلاءالأربعة ، ولكن إذا نظرت إليهما عن كثب ، يمكنك أن تكتشف أكثر الأشياء إثارة للدهشة.
وكان الأشخاص الأربعة يقضون كل يوم وقتاً داخلالمتاهة باحثين عن الجبن.
وكان الفأران سنيف وسكورى ــ وهما لا يملكان سوى أسنان قارضة وغريزة قوية ــ يبحثان عن قطعة الجبناللذيذة التي أحباها كما هو حال جميع الفئران.
أماالقزمان ــ هيم وهاو فقد استخدما عقلسهما مع الاستعانة بالعديد من المعتقدات من أجلالبحث عن نوع مختلف تماماً من الجبن مميز عن غيره ، وكانا يعتقدان أنه سيجعلهمايشعران بالسعادة والنجاح.
وعلى الرغم من أن هناكاختلافاً بين الفأرين والقزمين ، إلا أنهم جميعاً يشتركون في شيء ما : أن كلاً منهميقوم كل صباح مرتدياً بدلة العدو وحذاء الجري ، تاركين منازلهم الصغيرة ؛ حيثيبدؤون السباق داخل المتاهة باحثين عن الجبن المفضل لديهم.
كانت المتاهة عبارة ممرات وحجرات يحتوي بعضها على جبن لذيذ ، ولكنكان بها أركان مظلمة وممرات مسودة لا تؤدي إلى شيء ، وكان من السهل أن يضل أي شخصفيها.
وبرغم ذلك ، فمن يجد طريقه داخل هذه المتاهة، يجد ما يجعله يستمتع بحياة أفضل.
استخدم الفأرانــ سنيف و سكورى ــ طريقة المحاولة و الخطأ البسيطة وغير المجدية للبحث عن قطعةالجبن ، فقد كانا يدخلان أحد الممرات ، و إذا وجداه فارغاً تركاه وانتقلا إلى غيره.
وكان سنيف يشم الجبن باستخدام أنفه الكبير ،وبناءً عليه يحدد الاتجاه الخطأ ، وكثيراً ما ارتطما بالجدران.
وعلى الرغم من ذلك ، فقد استخدم القزمان ــ هيم وهاو ــ طريقة مختلفةتعتمد على قدرتهما على التفكير والتعلم من خبراتهما الماضية ، ولكن كانا في بعضالأحيان يرتبكان بسبب معتقداتهما وعواطفهما.
أخيراً، اكتشف الجميع ما كانوا يبحثون عنه ، ووجد كل منهم ذات يوم نوع الجبن المفضل لديهفي أحد الممرات في " محطة الجبن ج" .
وبعد ذلكتعودت الشخصيات الأربع كل صباح على ارتداء ملابسها والتوجه إلى محطة الجبن " ج" ولمينقضِِِِِِِِِِِِِ ِ وقت طويل حتى تعود كل منها على هذا الروتين في الوصول إلى قطعةالجبن.
استمر كل من سنيف و سكورى في الاستيقاظمبكراً كل يوم و الدخول في سباق خلال المتاهة ، وعادة ما كانا يتبعان نفس الطريق.
وحال وصولهما إلى وجهتهما يتخلص الفأران من حذاءالعدو ، ويقومان بربط حذائيهما حول رقبتيهما ، حيث يسهل عليهما الوصول إليهماسريعاً عندما يحتاجانهما مرة أخرى ، ثم يستمتعان بالجبن.
وفي البداية ، كان كل من هيم و هاو يقومان بالتسابق تجاه محطة الجبن" ج " كل صباح ليستمتعا بالطعم اللذيذ لقطعة الجبن التي طال انتظارها.
ولكن بعد فترة ، اتبع القزمان روتيناً مختلفاً.
كان هيم و هاو يستيقظان كل يوم في وقت متأخر ،ويرتديان ملابسهما في بطء ، ويمشيان إلى محطة الجبن " ج " ؛ فقد عرفا مكان الجبنالآن ، وكيف يذهبان إليه.
لم يكن لديهما فكرة عنمصدر الجبن أو من الذي يضعه في مكانه و إنما افتضا وجوده هناك.
و بمجرد وصول هيم و هاو إلى محطة الجبن " ج " كل صباح ، يستقرانويشعران بأنهما في منزلهما ، ويقومان بتعليق ملابسهما وخلع حذائيهما ، وارتداءخفيهما ، وكانا يشعران بالارتياح والاطمئنان في ذلك الوقت ؛ لأنهما وجدا الجبن.
قال هيم " ما أعظم هذا ؛ فها هنا جبن يكفينا مدىالحياة " وشعر القزمان بسعادة غامرة وبنجاح باهر ، واعتقدا أنهما الآن يعيشان فيأمان.
لم يمض ِ وقت طويل حتى اعتبر هيم و هاو الجبنالذي وجداه في محطة الجبن " ج " خاصاً بهما . لقد كان بمثابة مخزن الجبن الذيانتقلا في النهاية إلى الإقامة بالقرب منه ، ورسخا نوعاً من الحياة الاجتماعية حوله.
وليشعرا بأنهما في منزلهما ، قاما بتزيين الجدرانببعض الأقاويل ، حتى إنهما قاما برسم صور للجبن لرسم الابتسامة على وجهيهما ، ومنهذه الأقاويل:

امتلاك الجبن يشعرك بالسعادة
في بعض الأحيان ، كان هيم وهاو يقومان باصطحابأصدقائهما ليروا أكوم الجبن المخزنة لديهما في محطة الجبن " ج " ، ويشيران إليهمابفخر قائلين : " ياله من جبن رائع ، أليس رائعاً ؟ " وكانا يتقاسمان الجبن في بعضالأحيان مع أصدقائهما ، وفي أحيان أخرى لا يقومان بذلك.
وكان هيم يردد " غننا نستحق هذا الجبن ، فقد تعين علينا العملبالتأكيد لوقت طويل وبجد حتى نحصل عليه " ثم يلتقط قطعة طازجة ويلتهمها.
وبعد ذلك ، يستسلم هيم للنعاس كعادته.
فقد كانا يعودان كل يوم إلى منزلهما ممتليء المعدةبالجبن ، ويعودان كل صباح بثقة تامة في الحصول على المزيد.
واستمر ذلك لفترة من الزمن.
وبعدمرور بعض الوقت ، تحولت ثقة هيم و هاو إلى تكبر وغطرسة ، وسرعان ما أصبحا واثقينجداً لدرجة أنهما لم يلاحظا ما كان يحدث.
وبمرورالوقت ، استمر سنيف و سكورى في طريقتهما ، فقد كانا يصلان مبكرين كل يوم ويشمانمحطة الجبن " ج " ويهولان حولها ويتحسسان المنطقة ؛ ليريا ما غذا كان قد حدث ثمةتغير عن الأمس ، ثم يجلسان و يقضمان الجبن.
وذاتصباح ، وصلا إلى محطة الجبن " ج " ليكتشفا عدم وجود الجبن.
لم يندهشا لذلك ؛ حيث إنهما لاحظا ان مورد الجبن كان يتناقص كل يوم ،وكانا مستعدين لذلك المصير الحتمي ، وكانا يعرفان غريزياص ما سيقومان به.
نظرا لبعضهما البعض ، وخلعا نعليهما اللذين كاناقد أحكما ربطهما في عنقيهما و أعادا ارتداءهما وأحكما الرباط.
ولم يغاليا في تحليل ما حدث ن ولم يكونا مكبدين بالمعتقدات المعقدة.
فبالنسبة للفأرين كان كل من المشكلة و الحل بسيطاً، حيث تغير الموقف في محطة الجبن " ج " ؛ لذا فقد قرر سنيف و سكورى أن يتغيرا.
نظر كلاهما إلى المتاهة ، ورفع ينيف أنفه واشتم ،ثم أشار برأسه إلى سكورى الذي انطلق مهرولاً خلال المتاهة ، بينما تبعه سنيف بأقصىسرعة يتحملها.
وانطلقا سريعاً بحثاً عن جبن جديد.
وفي وقت متأخر من نفس اليوم ، وصل هيم و هاو إلىمحطة الجبن " ج " لم يكونا يعيران للتغيرات الطفيفة التي كانت تحدث كل يوم اهتماماً؛ لذا فقد اعتبرا وجود الجبن هناك أمراً مسلماً به.
ولم يكونا مهيئين لما وجدا.
صاح هيم: " ماذا ! ألا يوجد جبن ؟ " . واستمر في صياحه : " ألا يوجد جبن ؟ ألا يوجد جبن ؟" وكأنه عندما يصيح بصوت عالٍ سيأتي شخص ما ويعيد لهما الجبن.
و أخذ يصرخ قائلاً : " من الذي حرَك قطعة الجبن الخاصة بي ؟"
و أخيراً ، وضع يديه على فخذيه واحمرَ وجهه وصاحبأعلى صوته : " ليس هذا من العدل! " .
وكل ما فعلههاو هو أنه حرك رأسه في حالة من عدم التصديق ؛ فلقد اعتمد هو الآخر على وجود الجبنفي محطة الجبن " ج " . وتوقف في مكانه لوقت طويل في حالة من الذهول من هول الصدمة؛فلم يكن مستعداً لهذا.
كان هيم يصرخ ببعض الكلمات ،ولم يكن هاو بحاجة إلى سماع ما يقوله هيم ؛ فلم يكن يرغب في التعامل مع ما واجهه ؛ولذا فقد أطاح بكل شيء.
لم يكن تصرف القزمين لائقاًأو منتجاً ، ولكنه كان مفهوماً.
فالعثور على الجبنلم يكن بالأمر اليسير ، وكان يتطلب عملاً من جانب القزمين أعظم من مجرد الحصول علىكم كاف من الجبن كل يوم.
فالعثور على الجبن كانبالنسبة للقزمين هو السبيل الذي اعتقد أنه هو كل ما يحتاجانه للوصول إلى السعادة ،حيث كان ما يرونه عن مدى أهمية الجبن لهما يقف عند طعمه اللذيذ.
فلأحدهما ، كان العثور على الجبن مجرد شيء مادي ، أما الآخر فقد كانيعني له الاستمتاع بصحة جيدة أو الوصول إلى الإحساس بوجوده.
بالنسبة لهاو ، كان الجبن يعني مجرد الإحساس بالأمان والشعور بأنهذات يوم سينعم ببناء أسرة سعيدة مع العيش في كوخ يملؤه الدفء.
اما هيم فالجبن عنده أصبح يعني الإحساس بالمسؤولية تجاه الىخرين ، معامتلاك منزل كبير على أحد المرتفعات.
ونظراً لانللجبن اهمية خاصة عندهما ، فقد أمضى كلاهما وقتاً طويلاً في محارولة اتخاذ قراربشأن ما يتعين عليهما فعله تجاه ما حدث.
كل ما كانايفكران في فعله هو التحديق في محطة الجبن " ج " الخالية من الجبن ليتيقنا من حقيقةاختفاء الجبن.
وبينما تحرك سنيف و سكورى سريعاً،استمر هيم و هاو في الثرثرة و التلعثم.
وصاحا وهذيا بالحديث عن الظلم نتيجة لما حدث ، وبدأ الشعور بالكآبة يسيطر على هو . ماالخطب ، وما عساه يحدث إذا لم يكن هناك جبن بالغد ؟ فقد خطط لمستقبله على أساس وجودالجبن.
لم يصدق القزمان ما حدث . كيف أمكن لهذا أنيحدث ؟ لم يحذرنا أحد ، لم يكن ذلك صحيحاً ، لم تكن هذه هي الطريقة التي يفترض أنتسير بها مجريات الأمور.
وعاد هيم و هاو إلىمنزلهما في هذه الليلة جائعين ، مثبطى الهمة ، ولكن قبل المغادرة كتب هاو علىالجدار:

كلما كانت قطعة الجبن هامة بالنسبة لك؛ فأنت في حاجة إلى الاحتفاظ بها رغم ما تواجهه من صعاب.

في اليوم التالي غادر هيم و هاو منزليهما عائدين إلى محطة الجبن " ج" مرة أخرى ، حيث كانا لا يزالان يتوقعان أن يعثرا على قطعتهما من الجبن.
لم يتغير الموقف ، ولم يعد هناك وجود للجبن ، ولميعرف القزمان كيف يتصرفان حيال ما حدث ووقفا متجمدي الحركة مثل تمثالين صامتين.
أغمض هاو عينيه بقدر المستطاع ووضع يديه على أذنيه. وتمنى لو توقف الزمن ؛ فلم يكن يرغب في معرفة أن مورد الجبن يتضاءل تدريجياً. لقد كان مؤمناً بأنها تحكت فجأة.
قام هيم يتحليلالموقف مرات و مرات ، و أخيراً سيطر عقله المعقد المكتظ بالأفكار الضخمة على ما حدث، وتساءل : " لماذا قاموا بذلك تجاهي ؟ ، ما الذي يحدث حقاً هنا ؟" .
وفي النهاية فتح هاو عينيه ، ونظر حوله قائلاً: " بمناسبة ما حدث أين سنيف و سكورى ؟ هل تعتقد أنهما يعرفان شيئاً غير ما نعرف ؟" .
قال هيم : " ما هو الشيء الذي قد يعرفانه ؟" .
واستطرد هيم قائلاً : " ما هما إلا مجرد فأرينصغيرين ، ولا يقومان بشيء سوى الاستجابة لما يحدث حولهما ، أما نحن فبشر ونتميزعنهما . يجب أن تكون لدينا القدرة على تفسير ما حدث ، وعلاوة على ذلك ، نستحقنصيباً أفضل.
ما كان ينبغي أن يحدث ذلك لنا ، وحتىإذا حدث ، فيجب على اللأقل أن ننعم بشيء من الربح و المكسب" .
و طرح هذا التساؤل : " لمَ لم يتعين أن نجني ربحاً ؟" .
أجاب هيم : " لأننا ملتزمان" .
و أراد هاو أن يعرف " ملتزمان تجاه أي شيء ؟"
"
إننا ملتزمان تجاه تجاه جنبنا"
تساءل هاو : " لمَ ؟" .
قال هيم: " لأننا لم نتسبب في هذه المشكلة ، بل تسبب فيها شخص آخر ، و يتعين القيام بأي شيءللخروج من هذا الموقف"
و اقترح هاو : " ربما يتعينعلينا أن نكف عن تحليل الموقف بصورة مبالغ فيها ، دعنا ندخل المتاهة ولنبحث عن جبنجديد"
قال هيم : " يا إلهي بل سوف أتطرق إلى أعماقهذا الأمر"
وبينما كان يحاول كل من هيم و هاو اتخاذقرار بشأن تصرفهما حيال ما حدث ، كان سنيف و سكورى قد تغلبا بالفعل على ما حدث ومضيا في طريقهما ، ودخلا المتاهة مارين بجميع ممراتها من أعلى غلى أسفل باحثين عنالجبن في كل محطة جبن يمكن أن يجداها.
و لم يفكرافي أي شيء سوى الحصول على قطعة جبن جديدة.
لم يجداأي شيء لبعض الوقت حتى ذهبا أخيراً إلى أحد الأماكن بالمتاهة حيث لم يذهبا إليهأبداً : هذا هو محطة الجبن " ن" .
وصرخا مبتهجين ،لقد وجدا ما كانا يبحثان عنه ، مورد كبير للجبن الجديد.
لم يصدقا ناظريهما ، لقد كان أكبر مخزن للجبن يمكن لهما كفأرين رؤيته.
و في ذات الوقت ، كان هيم و هاو لا يزالان في محطةالجبن " ج " يقيمان الموقف و كانا يعانيان من آثار غياب الجبن ، وأصيبا بالإحباط والغضب ، و بدأ في تبادل عبارات اللوم على ماحدث.
ومن لحظة لأخرى كان هاو يفكر في صديقيه الفأرين سنيف و سكورى وستساءل عما إذا كاناقد توصلا إلى أي جبن ، و اعتقد بأنهما يمران بوقت عصيب ، و انهما يعانيان من بعضالتشكك و عدم اليقين في تخبطهما داخل المتاهة . ولكنه عرف كذلك أنه كان من الرجح أنيستمر هذا الحال معهما للحظات قليلة.
و كان هاويتخيل في بعض الأحيان أن سنيف و سكورى قد وجدا جبناً جديداً و أنهما يستمتعان به ،وفكر في مدى روعة دخوله في نوع من المغامرة داخل المتاهة بغية العثور على جبن جديدطازج طازج ، بل كاد يصل في تخيله إلى حد شعورره بطعم هذا الجبن الطازج.
و كلما كان هاو يرى هذه الصورة في مخيلته ( أي أنهوجد جبناً جديداً و أنه يستمتع به ) أكثر وضوحاً ، كان يزيد تخيله لنفسه وهو يغادرمحطة الجبن " ج"
و فجأة صاح قائلاً: " فلنذهببعيداً عن هنا" .
أجاب هيم سريعاً : "كلاَّ، إننيأحب هذا المكان وأشعر فيه بالراحة، وهذا هو ما أعرفه بالإضافة إلى أن المحيطالخارجي محفوظ بالمخاطر" .
رد هاو قائلاً "كلاَّالأمر ليس كذلك، لقد جرينا من قبل في أماكن عدة داخل المتاهة ويمكننا القيام بذلكمرة أخرى"
قال هيم: لقد أصبحت عجوزاً جداً للدرجةالتي لا أقوى فيها على فعل ذلك، وأخشى ألا أكون راغباً في أن أظل الطريق، وتظهرسذاجتى، أترغب أنت في ذلك ؟"
عند هذه المرحلة، عادشعور الخوف من الفشل ليسيطر على هاو، وتلاشى أمله في العثور على
جبن جديد.
لذا استمر القزمان في عملنفس الشيء كل يوم؛ يذهبان إلى محطة الجبن "ج"، دون العثور على شيء، ثم يعودان إلىمنزليهما محملين بالمخاوف والقلق والإحباط.
حاولاإنكار ما يحدث لهما ولمنهما عانيا من صعوبة في الحصول على قسط وافر من النوم. وضاعت قوتهما في اليوم التالي ، و أصبحا سريعي الغضب.
لم يعد منزلهما المكان الدافيء كما كان ذات مرة ، وعانيا من صعوبة فيالنوم ورؤية الكوابيس ليلاً والتي تتعلق بعدم عثورهما على أي جبن.
إلا أن هيم وهاو ظلا يعاودان نفس الشيء بالذهاب إلى محطة الجبن " ج" والانتظار هناك كل يوم.
قال هيم : " إنك تعرف أنهإذا ما عملنا بجد أكثر مما نحن عليه ، ستجد أنه لا شيء قد تغير بالفعل فربما تكونقطعة الجبن قريبة من هنا ، وربما يكونون قد أخفوها وحسب خلف الجدار" .
وفي اليوم التالي ، عاد هيم و هاو حاملين أدواتهما. أمسك هيم بالإزميل ( المنحت ) بينما استمر هاو في الطرق باستخدام المطرقة ، حتىأحدثا ثقباً في جدار محطة الجبن " ج " واسترقا البصر ولكن دون جدوى ، فليس هناك جبن.
و أصيبا بخيبة أمل ، ولكنهما أصبحا مؤمنينبقدرتهما على حل المشكلة ؛ لذا أصبحا يبدآن عملهما في وقت مبكرو يستمران لوقت أطولو يعملان بجد أكثر . و لكن بعد مرور بعض الوقت ، كل ما توصلا إليه هو إحداث ثقبكبير في الجدار.
أخذ هاو في إدراك الفارق بينالنشاط و الإنتاجية.
قال هيم : " ربما يتعين علينامجرد الجلوس هنا و انتظار ما قد يحدث . إن عاجلاً أم آجلاً يتعين عليهم ان يعيدواالجبن" .
أراد هاو أن يؤمن بذلك ، لذا كان يعود غلىالمنزل كل يوم ليحصل على قسط من الراحة ثم يعود على مضض مع هيم إلى محطة الجبن " ج" ولكن الجبن لم يظهر أبداً.
و بمرور الوقت أصبحالقزمان ضعيفين نتيجة الشعور بالجوع والضغط ، وسيطر التعب و الإرهاق على هاو منمجرد الانتظار حتى يتحسن وضعهما ، و بدا في رؤية حقيقة أنه كلما استمرا طويلاً دونالجبن ، لأصبح وضعهما أكثر سوءاً.
و كان هاو يعرفأنهما قد فقدا كل أمل.
و أخيراً ، بدأ هاو ذات يومفي السخرية من نفسه قائلاً : " هاو انظر إليَ ، فإنني أقوم بنفس الشيء كل يوم مراتو مرات و أتعجب من سبب بقاء الحال على ما هو عليه دون تحسن ، إن لم يكن الأمر يدعوللسخرية فقد يكون مدعاة للمرح" .
لم يكن هاو يرحببفكرة الجري خلال المتاهة مرة أخرى ؛ لأنه يعرف أنهما سيضلان الطريق وليس لديهماأية فكرة عن مكان وجود الجبن . ولكن كان يتعين عليه الضحك على غبائه عندما أدرك سببخوفه من القيام بذلك.
و سأله هيم : " أين وضعنارداء العدو و أحذية الجري " . و أمضيا وقتاً طويلاً حتى وجدا هذه الأشياء ، لأنهماأهملا كل كل شيء طرحاه جانباً عندما عثرا على الجبن في محطة الجبن " ج " ، معتقدينأنهما لن يكونا بحاجة إلى الحذاء والرداء مرة أخرى.
و عندما رأى هيم صديقه يرتدي رداء العدو ، قال : " إنك لن تعاودالتخبط داخل المتاهة حقاً ، ألبس كذلك ؟ لم لا تنتظر هنا حتى يعاودا وضع الجبن ؟"
قال هاو : " لأنك لا تستوعب الموقف ، أنا لم أكنأرغب في رؤيتها أيضاً ، لكنني الآن أدرك أنهم لن يضعوا الجبن القديم مرة ثانية ،لقد كان هذا جبن البارحة ، لقد حان الوقت للبحث عن جبن جديد" .
لكن هيم تساءل : " لكن ماذا لو لم يكن هناك جبن بالخارج ؟ أو حتى إذاكان هناك ، ماذا لو لم نجده؟"
قال هاو : " لست أدري" ، وتساءل هاو محاولاً الإجابة على تلك الأسئلة مراراً و تكراراً ، ثم بدأ يشعربالخوف الذي أقعده عن الحركة من قبل يتسلل إلى نفسه من جديد.
ثم فكر هاو في العثور على جبن جديد و ما يصاحبه من أحداث طيبة ،فاستجمع رباطة جأشه.
قال هاو : " في بعض الحيانتتغير الأشياء و لا تعود لطبيعتها أبداً و يبدو أننا نمر بشيء مشابه . هذه هيالحياة يا هيم ! فالحياة تسير ، ولابد أن نسير نحن أيضاً" .
ونظر هاو إلى رفيقه الحزين و حاول غقناعه ، لكن خوف هيم تحول إلى غضبعارم منعه من الإنصات لهاو.
ولم يقصد أن يكون وقحاًمع صديقه ، لكنه لم يمنع نفسه من السخرية على حماقتهما.
و بينما استعد هاو للرحيل ، بدأ يشعر بالنشاط فقد علم أنه طالما سخرمن نفسه ، فسوف يعاود المسير دون أن ينظر وراء ظهره.
وصاح هاو معلناً : " لقد حان وقت المتاهة! "
لكن هيم لم يضحك ولم يستجب لهاو.
والتقط هاو قطعة حجر صغيرة حادة ونحت بها على الجدار فكرة عظيمة لهيم كي يتأملها ،وكما اعتاد هاو ، فقد رسم صورة لقطعة جبن حول العبارة ، وتمنى أن يساعد هيم على أنيبتسم ، و ان يخفف من همومه ، و ان يبدأ البحث عن الجبن الجديد ، لكن هيم لم يفعلشيئاً من ذلك.
و كتب هاو في عبارته قائلاً:


إذا لم تتغير ؛ فمن الممكن أن تفنى.

وبعد ذلك اشرأب هاو بعنقه وحدق بنظره فيالمتاهة ، وفكر في كيفية أنه أدخل نفسه في هذه المحطة الخالية من الجبن.
لقد ظن أنه لايوجد أي جبن في المتاهة أو ربما لنيجده ، وهذه الظنون المخيفة كانت تشل حركته.
وابتسم هاو ؛ فهو يعرف أن ( هيم ) كان يتساءل في نفسه : " من الذي حرك قطعتي منالجبن ؟ " وتساءل ( هاو ) : " ولماذا لا أنهض و أتحرك مع قطعة الجن حالاً ؟.
و عندما بدأ في السير داخل المتاهة نظر ( هاو) للخلف حيث المكان الذي جاء منه فشعر بالرغبة في العودة إليه ، وشعر وكأن شيئاًيدفعه إلى مكانه المألوف ، على الرغم من أنه لم يجد أي جبن لبعض الوقت.
أصبح ( هاو ) أكثر قلقاً ، وتساءل عما إذا كانيريد أن يدخل المتاهة.
وكتب مقولة على الحائط فيمستوى رؤيته، وحدق فيها أمامه، ودقق النظر فيها لبعض الوقت:

ماذا تفعل إذا لم تكن خائفاً ؟؟
وأخذ يفكر في هذه العبارة.
إنه يعرف أن قليلاً منالخوف قد يكون مفيداً أحياناً ، و عندما تكون خائفاً فإن الأشياء تتحول للأسوأ إذالم تفعل شيئاً ، لذا فهو يحثك على التصرف ، ولكنه يكون ضاراص عندما تكون في حالةشديدة من الخوف ، إذ غن هذا يقيدك عن فعل أي شيء.
ونظر عن يمينه إلى الجزء الذي لم يمر به في المتاهة وشعر بالخوف.
وبعد ذلك أخذ نفساً عميقاً ، واتجه نحو اليمينداخل المتاهة واندفع ببطء إلى المجهول.
وبينما كانيحاول أن يجد طريقه ، شعر هاو في البداية بالقلق لأنه ربما انتظر وقتاً طويلاً فيمحطة الجبن " ج " ــ ولم يتناول أي نوع من الجبن لمدة طويلة مما جعله يشعر بالضعف ،وقد ظل على هذا فترة طويلة مما زاد آلام هذه الرحلة الشاقة داخل المتاهة ، وقرربأنه إذا سنحت له الفرصة مرة ثانية سوف يتكيف مع التغيير ، وهذا يجعل التعامل معالأمور أكثر سهولة.
وعندئذ ابتسم هاو ابتسامة خفيفة، وفكر في أنه " في التأني السلامة " وفي أثناء الأيام التالية : وجد بعضاً منالجبن القليل هنا وهناك ولكنه لم يستمر في ذلك طويلاً ، وتمنى أن يجد جبناً كافياًليعود ببعض منه إلى هيم لكي يشجعه على الدخول في المتاهة.
ولكن لم يشعر هاو بالثقة الالكافية حتى الآن ، وكان عليه أن يعترفبأنه وجد ذلك مربكاً ومرهقاً في المتاهة ؛ حيث بدت الشياء كلها أمامه وقد تغيرت منذالفترة الأخيرة التي كان فيها خارج المتاهة.
وعندماكان يعتقد أنه يتقدم في طريقه كان يجد نفسه تائهاً في الدهاليز ، وبدا تقدمه وكأنهيسير خطوتين للأمام وخطوة للخلف ، وكان هذا تحدياً ولكن كان عليه أن يعترف بأنالرجوع للخلف في المتاهة والمطاردة من أجل الجبن لم يكن تقريباً بنفس الدرجة منالسوء التي كان يخشاها.
ومع مرور الوقت بدأ و شعربالدهشة والتساؤل عما إذا كان واقعياً أن يجد قطعة الجبن الجديدة ، وتساءل " هاو" عمّا إذا كان يبالغ في تطلعاته ، وابتسم بعد ذلك ، و أدرك أنه ليس لديه ما يسوغحلمه في هذا الوقت.
وحين شعر بالإحباط يتسرب إلىنفسه ذكّر نفسه بأن ما كان يعتقد أنه غير مريح ، هو في الواقع أفضل من البقاء فيمكان ليس به جبن.
فكان يسعى للتحكم في تصرفاته أكثرمن السماح لحدوث أي شيء ، وبعد ذلك ذكّر نفسه بأنه إذا كان سنيف و سكورى قد استطاعاالتحرك والاستمرار في سعيهما ؛ فمن الممكن له أن يفعل ذلك.
وعندما أعاد هاو التفكير في الأمور أدرك أن قطعة الجبن التي وجدها فيالمحطة " ج " لم تختف بين العشية وضحاها كما اعتقد من قبل . إن حجم الجبن كان يصغرشيئاً فشيئاً ، وما تيقى منه أصبح قديماً ولم يعد لها مذاق جديد.
بل ربما بدأت طبقة من العفن تظهر عليه ، على الرغم من أنه لم يلاحظذلك ، ولذلك كان عليه أن يعترف أنه لو أراد ذلك ربما أمكنه فهم ما يحدث ولكنه لميرد.
و أدرك هاو الآن أن التغيير ربما لم يكن ليمثلله مفاجأة لو كان قد شاهد ما كان يحدث طوال الوقت وتوقع هذا التغيير ، وربما كانهذا ما قام به كل من سنيف و سكورى.
وتوقف لأخذ قسطمن الراحة ، وكتب على حائط المتاهة:

اشتمرائحة قطعة الجبن من حين لآخر حتى تعرف متى يصيبها العطب.

و بعد مرور فترة بدت طويلة لم يعثر فيها على قطعة الجبن ، وجد هاونفسه أخيراً أمام محطة جبن بدت مبشرة بالخير ، وحين دلف إلى داخلها، أصيبة بخيبةأمل كبير؛ حيث أنها كانت خاوية.
وحدَّث هاو نفسهقائلاً: "لقد راودنى هذا الشعور بالخواء كثير من قبل". وشعر باليأس قد أطبق عليه. وبدأ هاو يفقد طاقته الجسية، وكان على يقين أنه قد ضل الطريق وأنه هالك لا محالة،وفكّر في أن ينعطف ويعود أدراجه إلى محطة الجبن ج. فلو وصل هناك، ولا يزال هيمموجوداً، فلن يكون وحيداً على الأقل، ثم سأل نفسه مجدداً: "ماذا كنت أفعل لو لم أكنخائفاً؟".
لقد كان يخشى أكثر من أي شيء آخر أن يعترفحتى لنفسه بذلك . فلم يكن دائماً على يقين من الشيء الذي يسبب له شعوراً بالخوف،لكنه الآن ، وفي حالته الهزيلة تلك، أدرك أنه خائفاً؛ لانه لا يريد أن يستمروحيداً، ولم يعرف هاو بأنه كان يجري؛ لأن أفكاراً مخيفة أثقلت رأسه.
وتساءل هاو عما إذا كان هيم قد تحرك مجدداً أم أنهلم يبرح مكانه بسبب مخاوفه، ثم استرجع في مخيلته الأوقات التي شعر فيها بأنه في أوجنشاطه داخل المتاهة.
هذه الأوقات هي التي كان يتحركفيها هاو ولا يتوقف عند أي شيء.
وكتب هاو علىالحائط، وكان يعلم أن هذه الكتابة ليست تذكيراً بمروره من هذا المكان، بقدر ما هيتذكير له شخصيا:

إن السير في اتجاه جديد يجعلكتعثر على المزيد من الجبن
تطلع هاو إلى الممرالمظلم، وأدرك ما اصابه من خوف، ترىمن الذي ينتظره في الطريق، هل سيكون خالياً؟ أوسيكون محفوظاً في المخاطر؟ وبدأ خياله الجامح يصور كله كل الهواجس المفزعة حتىتملكه الذعر الشديد.
ثم سخر من نفسه، فقد أدرك أنهواجسه هذه تزيد الطين بلة، ثم فعل ما كان سيفعله لو لم يكن خائفاً ، واصل المسيرهلكن في اتجاه جديد.
وعندما بدأ يجري في اتجاه الممرالمظلم، أخذ يبتسم، ولم يدك هاو عندئذٍ أنه وجد غذاء روحه، فقد ألقى بالهموم خلفظهره، وبدأ يثق فيما ينتظره من مصير،على الرغم من أنه لم يعرف ماذاسيكون.
واندهش هاو، إذا بدأ يستمتع بالأمر أكثرفأكثر، وأخذ يتساءل:"ترى ما الذي يجعلني أشعر بهذه السعادة ؟" " ليس لدي جبن، والأعرف إلى أين أنا ذاهب".
وقبل أن يمضي وقت طويل،اكتشف سبب شعورة بتلك السعادة ، وتوقف كي يكتب على الحائطمره أخرى:

عندما تتحرك متجاوزاًشعورك بالخوف ، ستشعر بالحرية
أدرك أنه وقعأسيراً لهواجسه ن وعندما تحرك في اتجاه جديد ، حرر نفسه من القيد.
الآن ، و الآن فقط ، بدأ يشعر أن نسيماً بارداً أخذ يهب على ذلكالجزء من المتاهة . التقط أنفاساً عميقة و أحس أن الحركة قد أعادت إليه الحياة ،وبعد أن كسر حاجز الخوف ، اكتشف أن الأمر أكثر إمتاعاً مما كان يعتقد من قبل.
ولم يكن هذا الشعور قد راود هاو منذ فترة طويلة ؛ولهذا السبب كان قد نسى مدى البهجة التي يدخلها على قلبه.
ولكي يجعل الوضع أفضل ، بدأ في رسم صورة من وحي خياله ، ونسج في تلكالصورة حتى أدق التفاصيل الواقعية ، فقد تخيل نفسه جالساً وسط كومة هائلة من أنواعالجبن المفضل لديه ، بدءاً من الشيدر ، و انتهاءً بالبراي ! وتخيل نفسه وهو يأكل مالذ و طاب منها . استمتع هاو بما رآه ، ثم تخيل كيف أنه يستطيع أن يستمتع بتذوقهاجميعاً.
كلما اتضحت صورة ذلك الجبن الجديد داخلعقله ، زادت واقعيتها ، وازداد شعوره بقرب عثوره عليه.
ثم كتب:

عندما تخيلت نفسي وأنااستمتع بالجبن الجديد ، حتى قبل أن أعثر عليه ، وجدت طريقي إليه.

حدّث هاو نفسه قائلاً : " لماذا لم أفعل هذامن قبل ؟"
بدأ هاو يجري داخل المتاهة ، لكن بقوة ورشاقة أكبر مما مضى ، ولم يمض وقت طويل حتى عثر على محطة الجبن ، وشعر بالسعادة وهويلحظ قطع جبن جديدة قد وضعت بجانب المدخل.
ولم يكنقد رأى قط في حياته أصناف الجبن تلك ، لكنها بدت له رائعة . تذوقها ، فوجد طعماًطيباً للغاية ، وتناول هاو معظم قطع الجبن الموجودة ، ووضع بعضاً منها في جيبه كييتناولها فيما بعد، أو ليتقاسمها مع ، وبدأ يستعيد قوته.
دلف هاو إلى محطة الجبن تغمره السعادة والإثارة . لكن ، ولسوء حظه ،وجدها خاوية ، فقد سبقه إليها شخص ما ، لم يترك سوى تلك القطع من الجبن الجديد.
وأدرك أنه لو كان قد عجل الخطى ؛ لوجد كمية كبيرةمن الجبن هنا.
وقرر هاو أن يعود أدراجه كي يرى إذاما كان هيم على استعداد للانضمام إليه.
وبينما هويقتفي آثار العودة ، توقف وكتب على الحائط:

كلما أسرعت بالتخلص من الجبن القديم ، عثرت على الجبن الجديد.

وبعد فترة نجح هاو في العودة إلى محطة الجبن" ج " ووجد عندها هيم ، وعرض على هيم تناول بعض قطع الجبن الجديدة ، لكن الأخير رفضالعرض.
وشكر هيم صديقه على هذه اللفتة الجميلة ،وقال له : " لا أعتقد أنني سأستمتع بالجبن الجديد ، فأنا لست معتاداً عليه ، كل ماأريده هو جبني المفضل ، ولن أتغير أبداً حتى أحصل على ما أريد" .
هز هاو رأسه وهو يشعر بخيبة الأمل ، وجعل يؤخر رجلاص ويقدم الأخرى ،معاوداً الانطلاق بمفرده من جديد ، ومع وصوله إلى أبعد نقطة كلن قد وصل لإليها فيالمتاهة ، بدأ يشعر بالحنين إلى صديقه ، لكنه أدرك أنه بصدد اكتشاف شيء ما . فحتىقبل أن يعثر على ما كان يعتقد أنه كمية هائلة من الجبن الجديد أدرك أنه لم يكن يشعربالسعادة لمجرد عثوره على الجبن.
لقد كان سعيداًلأنه لم يصبح أسيراً لخوفه بعد الآن ، وبدأ يستمتع بما يفعل.
وحينما أدرك ذلك ، لم يشعر بذلك الضعف الذي انتابه حين كان يجلس فيمحطة الجبن ج الخاوية ، وحينما أدرك أنه منع نفسه من أن يستوقفها الخوف ، واتخذوجهة جديدة ؛ شعر بالحياة تدب في أوصاله من جديد.
لقد وجد الآن أن المسألة أصبحت مسألة وقت قبل أن يصل إلى ضالتهالمنشودة بالفعل.
وابتسم حين أدرك أنه:

من الأسلم أن تبحث في المتاهة ، من ان تبقىدون جبن.

أدرك هاو ما ، كما أدرك من قبل ، أن ما تخشاه لن يكون بنفس القتامة التي يصورها لكعقلك ، وأن الخوف الذي تتركه يسيطر على عقلك هو أخطر بكثير من الوضع القائم بالفعل.
لقد كان هاو متخوفاً لدرجة كبيرة من أن لا يعثرعلى الجبن الجديد ، لدرجة أنه لم يرغب في الاستمرار في البحث عنه ، لكن ما إن عاود رحلته مجدداً ، عثر على قطع من الجبن في الممرات تكفيه لمواصلة المسير . الآن بدأ يتطلع إلى العثور على المزيد و المزيد ، وأصبح مجرد التطلع إلى ما هو آتٍ أمراً ممتعاً في حد ذاته.
لقد كان تفكيره القديم مغلفاًبسحابة من الخوف والقلق ، فقد كان يشعر دائماً أنه لن يعثر على جبن كافٍ ، أو انه لن يحظى به للمدة التي يريدها ، وكان كثيراً ما يشغل باله بما قد يحدث له من مصائب، لا من مفاجآت سارة.
لكن هذا التفكير تغير في الأيامالتي أعقبت تركه لمحطة الجبن ج.
واعتاد هاو أنيعتقد بأنه لا ينبغي تحريك الجبن ، وأن هذا التغيير ليس صائباً.
أما الآن فقد أدرك أن عدم التغيير أمرينافي نواميس الكون و الطبيعة ،فلابد للتغيير أن يقع باستمرار سواء توقعناه أم لا ، ولايمكنك أن تفاجأ بالتغيير ، إلا إذا لم تكن تتوقعه و تبحث عنه.
وحينما أدرك هاوالتغيير الذي اعترى معتقداته ، توقف كي يكتب على الحائط:

إن المعتقدات البالية لا ترشدك إلى جبن جديد.

لم يعثر هاو على أي جبن بعد ، لكن كل ما كان يشغل تفكيره وهو يعدو فيممرات المتاهة هو ما تعلمه حتى الآن.
لقد أدرك الآنأن هذه المعتقدات الجديدة تدفعه إلى التصرف على نحو جديد ، فقد بدأ الآن يسلك مسلكاً يختلف عن مسلكه عندما كان يصر على العودة إلى محطة الجبن الخاوية.
وأدرك هاو أنك عندما تغير معتقداتك ، فأنت تغيرتصرفاتك.
عليك أن تعتقد بأن التغيير قد يضرك ، وأنهلابد لك أن تقاومه ، أو يمكنك أن تعتقد بأن عثورك على جبن جديد سوف يساعدك على استيعاب التغيير والتكيف معه.
كل ذلك يعتمد علىالمعتقد الذي تختار أن تؤمن به.
كتب هاو على الحائطقائلاً:


عندما ترى أنك تستطيع العثور علىجبن جديد وتستمتع به ؛ فستغير طريقك.

و أدركهاو أنه كان سيصبح في حالة أفضل الآن لو أنه استوعب التغيير في محطة الجبن ج بسرعة ودون تلكؤ ، وساعتها كان سيشعر بالقوة تدب في جسده وروحه ، ويستمر في التحدي حتى يعثر على الجبن الجديد ، بل كان في إمكانه العثور عليه بالفعل لو أنه توقع التغيير ، بدلاً من إضاعة وقته في مقاومته ، بعد أن حدث بالفعل.
واستجمع هاو قواه وقرر مواصلة المسير في الأجزاء الجديدة من النتاهةوبدأ يجد بعض ق